لماذا ننتظر التقدير من الآخرين؟

 

لماذا-ننتظر-التقدير-من-الآخرين؟


ماذا لو قدمت معروفاً لأحد الأصدقاء وبالمقابل لم تسمع منه كلمة شكر. ماذا لو بذلت مجهوداً ملحوظاً بصنع هدية لشخص يعني لك الكثير، وعند تقديمها لم ترَ على ملامح وجهه الفرحة والمفاجئة، ماذا لو قضيت الليل كله تعد تقريراً شاملاً لآخر ثلاثة أشهر في العمل حول جودة الإنتاجية وارتفاع المبيعات وازدياد المنافسين في السوق، وقدمته لمديرك بالعمل فيضعه على الطاولة بصمت ليرد على مكالمة هاتفية دون أن يعيرك اهتماماً. ماذا لو لم يكون هنالك شيء يدعى التقدير؟

مفهوم التقدير

يُقال أن الاحترام هو شعور مقدس نكنّه لشخص لأي سبب كان، سواء لكبر سنه أو لمكانته أو لهيبته أو لقيمته لدينا، والتقدير هو رد فعل ذلك الشخص لاحترامك إياه. ويوصف التقدير بأنه عبارة عن تقييم واحترام قيمة شيء أو شخص من خلال الاعتراف بأفعاله الجيدة أو صفاته أو إنجازاته أو أهميته لدينا.

 لماذا نحتاج التقدير؟

إن احتياجنا للتقدير نابع من كوننا بشر، فهو احتياج فطري يحقق لدينا الشعور بالاكتفاء في عدة جوانب حياتية ومنها:

1-     معرفة قيمة أنفسنا:

إن تقديرنا لأنفسنا يذكّرنا بقيمتنا وأهميتنا ويجعلنا نشعر أن ما نفعله له معنى في الحياة. فالتقدير يعني إدراك إنجازاتنا أو أفعالنا وملاحظتها والفخر بها. وذلك يعمل على تحفيزنا لبذل جهد أكبر والسعي للعمل أكثر.

2-     تحسين علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية:

عندما يقدرنا الآخرون من حولنا نتحفز بطبيعتنا البشرية لتقديم المزيد. فهذه هي فطرتنا، التقدير يجعلنا نرغب بأن نكون أفضل دوماً مع الآخرين والاستمرار بتقديم العطاء. بالتقدير تتحسن علاقاتنا الاجتماعية والعاطفية ونشعر أن الطرف الآخر يهتم لأمرنا ويدرك قيمتنا ويشبع بداخلنا شعور الوجود. أن يكون وجودك مهم.

3-     شعورنا بالانتماء:

 إننا نحتاج للحصول على التقدير ممن هم حولنا لنملئ بداخلنا الشعور بأننا جزء من المجتمع وننتمي إليه. لنشعر أننا نتشابه، نعيش ظروف متقاربة، مسموعين مرئيين وهناك من يهمهم أمرنا.

4-     تحسين جودة إنتاجيتنا المهنية:

عندما يقدرنا زملاؤنا في العمل أو رئيسنا فإننا أيضاً نتحفز لتقديم المزيد. فإن إنجاز مهمة صعبة ذلك يكفي ليشعرك بالراحة، لكن تقدير رئيسك في العمل لجهودك ومهارتك يجعلك تشعر بالثقة أكثر والتطلع لإنجاز مهام أخرى. فالثناء على عملك وملاحظة ما بذلته من جهد سجعلك تعمل بإيجابية وإنتاجية أفضل. ورغم أنك تتلقى مقابلاً مادياً لإنجازك هذه المهام، إلا أن المقابل المعنوي أيضاً قادر أن يجعلك أسرع وأكثر إيجابية أثناء إنجازك المهام وتقديم أفضل ما لديك.

ما الذي يمكن أن نفعله لنحصل على التقدير؟

تحدثنا عن حصولنا على التقدير ممن حولنا، لكن كيف نقدمه لهم؟

إن تقديم التقدير لا يختلف عن الحصول عليه، فكيف تريد أن يُشعرك الآخرون بالتقدير قدمه بذات الطريقة.

تستطيع أن تقدر ذاتك بأشكال عدة، منها أن تضع خطة وأهداف تتبعها لتحقق النجاح وتكون الشخص الذي تتمناه. لتقدر ذاتك أيضاً يجب أن تتجنب الدخول في علاقات لا يحترمك فيها الطرف الآخر أو الذي لا يحسن معاملتك. تقدر ذاتك أيضاً عندما لا تكرر الأخطاء وتتعلم من الدرس وتسعى لتكون أفضل نسخة من نفسك.

تستطيع أن تقدر الآخرين من عائلة وأصدقاء وزملاء بالعديد من الطرق. حاول دائماً أن تذكر إيجابياتهم وتتجنب سلبياتهم، أن تثني على طبخة تم صنعها من أجلك حتى لو تذوقتها ولم تنل استحسانك على سبيل المثال، فانتقادك لكن يفيد سوى أنه سيحرج الشخص الآخر، وتذكر أن هذه ليست منافسة أفضل شيف!

تستطيع أن تقدر الآخرين بإلقاء التحية عليهم واضعاً ابتسامة محبة، تستطيع أن تقدرهم بتذكير أنك موجود للدعم والمساندة، وأن تكون حاضراً في أفراحهم وأحزانهم، ألا تنتقد تصرفاتهم وطباعهم، ألا تحرجهم أمام الآخرين، أن تحترمهم وتهتم لأمرهم، والكثير من السلوكيات التي يمكن تطبيقها لنظهر مدى اهتمامنا لأمر من نحب وكيف أننا حقاً نقدرهم.

كيف سنعيش دون التقدير؟

هل تساءلت يوماً كيف سنعيش دون التقدير؟ انه سؤال مصيري أشبه بسؤال: كيف يمكن أن نعيش دون ألوان؟

فالتقدير في مختلف الجوانب ضروري من أجل حياة صحية ومتوازنة أكثر.

فدون أن نقدر أنفسنا، سنشعر بقلة الثقة بالنفس، والضعف، وسننخرط في علاقات مؤذية لنا، وسنرضى بالقليل. سنكون محبطين، تعيسين، وفي كل مرة سنطمح فيها للوصول لهدف معين، سنتوقف بعدها عن الحلم وسنعتقد أننا لا نستحق هذا الهدف. وسننتظر دائماً لتقدير الآخرين لنا ومعرفة قيمة أنفسنا من خلالهم، وسنتعلق بشكل مؤلم بفكرة وجود شخص يشكرنا، أو يثني علينا، أو حتى يحبنا.

ودون أن يقدرنا أفراد عائلتنا، لن نعود للمنزل مبتسمين، وسنقضي وقت أقل في التجمعات العائلية، لن نقدم الهدية التي ينتظرها أخانا، ولن نطبخ الأكلة التي تحبها اختنا، ولن نهتم لمناسبات بعضنا، لن نراعي مشاعر بعضنا ولن نصفق حينما ينجح أحدنا أو نربت على كتف من يفشل منا.

ودون أن يقدرنا شريك حياتنا، لن نشتري الزهور دون مناسبة، ولن نحكي تفاصيل مشكلة خاصة حصلت معنا، لن نتصل به أولاً عند وقوعنا في مأزق أو ترقينا في العمل.

ودون أن يقدرنا المجتمع من حولنا، سنشعر أننا منبوذين، ومختلفين، ومحبطين، ومكروهين ووحيدين.

ودون أن يقدرنا مديرنا في العمل، سنذهب للعمل كل يوم بتكاسل، وسننجز المهام بتماطل، وسنكون دائماً في وضع الهجوم وسنشعر بعدم استقرار ورغبة في البحث عن وظيفة في كل صباح نحضر فيه إلى العمل.

إن احتياج الإنسان للشعور بالتقدير مالم يتم إشباعه بشكل صحيح وكافي، فإن هذا الاحتياج كفيل بإن يجعل الإنسان إما أن يبذل مجهوداً أكبر في التقدير – باعتقاده أن لا زال عليه أن يقدم عطاء أكبر ليلقى التقدير بالمقابل- أو أن يتوقف تماماً عن تقديم العطاء وتقدير أفعال الآخرين وقد يصل لتقديم العكس أيضاً. ومن المؤسف أن بعض الأشخاص يسقطون اللاتقدير من الآخرين على نقص في ذواتهم، بمعنى أن بعض الأشخاص يقللون من احترامهم لأنفسهم واستحقاقهم الذاتي ظنأ منهم أن اللاتقدير من الآخرين هو نتجية لعدم استحقاقهم لهذا التقدير.

في الختام، جميعنا نعلم أن التقدير مهم، تقديمه وتلقيه. لكن كيف سنقدم شيئاً لا نفهمه؟

من المهم أن تحدد مفهوم التقدير لديك، أن تفكر في السلوكيات التي تتمنى تلقيها من الآخرين وستشبع لديك الشعور بأنك مقدّر. هل تحب أن يثنى عليك؟ هل تحب مدح صفاتك؟ هل تحب أن يلاحظ  الآخرون التفاصيل الصغيرة التي تقدمها لهم من باب الاهتمام؟ فكر في كل هذا وأكثر. ثم حدد الطرق التي تحب أن تتخذها لإظهار تقديرك للآخرين. ولكن حاول أن تجعل الأمر متوازن قدر المستطاع، لا إفراط ولا شحة. وتذكر دائماً أن التقدير هو أسمى وسيلة لتقول لشخص أو شيء ما أن وجوده مهم.

1 تعليقات

أحدث أقدم

نموذج الاتصال